الاثنين، 20 ديسمبر 2010

حياتـنا بين الإنعـزال الذاتي والثـقـافي

في ظل التطورات الحضارية السريعة وتدخل التكنولوجيا في أسلوب حياتنا مع انشغالنا بهموم ومتطلبات الحياة، قل التواصل اللغوي الفعال بيننا كبشر، فأصبحنا أقل كلاما ً وتعبيرا ً عن أنفسنا ومع الآخرين، مما سبب نوعا ً من الانعزال لدى الناس، ومن المهم قبل البدء أن نفرق بين العزلة و الاكتئاب، إذ إن العزلة نحن من نذهب إليها ونحن من نحدثها أما الاكتئاب هو من يأتينا ويكون نتيجة لأحداث خارجية تؤثر على النفسية فتدخلها في بوتقة الاكتئاب.

الجدير بالذكر أنه في فصل الشتاء تزداد حالات الاكتئاب، من حيث وجود خلل طارئ في الساعة البيولوجية التي تنظم إيقاع الجسم في دورة الليل والنهار، أو بالأحرى دورة الظلام والنور، ذلك إن المصابين بمرض الكآبة غير قادرين على ضبط الساعة البيولوجية على دورة الظلام، إن نقص كمية الضوء التي يتعــــرض لها الإنسان شتاء يؤدي إلى حـــدوث خلل في إفراز هرمون الميلاتونين الذي تطرحه الغـدة الصنوبريــة الدماغية خلال فترة النوم، وهذا الهرمون له دوره في تنظيم الساعة البيولوجية الداخليــــة للجسم وفي الحفاظ على الدورة الطبيعية للنوم واليقظة.هناك عوامل خطرة تسهم بشكل أو بآخر، في التمهيد لاستيطان الكآبة الشتوية، من بينها الضغوط العصبية والنفسية، والاستعداد الوراثي، والبطالة والإصابة بمرض مزمن وفقدان الأمل، والإحباط والعجز والحرمان، أيضاً فإن قلة الحركة، والعزوف عن الرياضة، والبقاء في المنزل والعزلة واليأس، وعدم التجديد في الحياة اليومية، كلها من شأنها التعجيل في الإصابة بمرض الكآبة الشتوية، لا بل قد تدفع صاحبها إلى القيام بمحاولات للتخلص من حياته.

أما اليوم فسأتكلم عن الانعزال أو العزلة، وهي تنقسم إلى قسمين رئيسيين: الأول يسمى انعزال ذاتـي - وينقسم إلى انعزال ذاتي لغوي و جسدي -  والنوع الثاني يسمى انعزال ثقافي -  وينقسم إلى انعزال ثقافي جاهل و معانـد - مع التقسيمات يكون لدينا أربعة أنواع من الانعزال وسنتطرق لكل نوع باختصار

النوع الأول الانعزال الذاتي:
كثيراً ما نسمع أن الشخص يقول محد يفهمي ولا أحد يحس فيني، ويلجأ إلى غرفته ليظل وحيدا ً، ولكن هو في حقيقة الأمر يلجأ إلى نفسه ولصوته الداخلي. وهنا نقطة مهمة إذ إن عقل الإنسان يعرف ما تشتهيه نفسه و ما تريد شخصيته بشكل واضح وكامل، عندما يعزل الشخص نفسه عن الآخرين يبدأ عقل الشخص بتمثيل شخصية أخرى تفهمه وتشعر به ويشعر أنه لا يوجد مخلوق يفهم عليه أو يشعر به.
ولتقريب الفكرة أكثر; الآخرون لا يشعرون ما بداخلك إلا إذا تحدثت معهم وعبرت لهم عن مشاعرك ومخاوفك، وإذا لم تفعل فلن يشعروا بك أو يفهموك ، بينما عقلك الباطني و أعماق نفسك تشعر بما تشعر به وتفهم ما تمر به من مشاكل أو آلام، وهنا بشكل غريب تشعر أنك مفهوم وأنه لابد من الجميع أن يشعروا بك ويحسون بمعاناتك وأحاسيسك، وإذا لم يفعلوا تشعر بالإحباط، لكن الحقيقة غير ذالك. هذا ما يسمى بالانعزال الذاتي الجسدي .. بحيث الشخص يعزل ذاته وجسده عن ذوات الآخرين ولا يجلس معهم .. يكون غائبا ً جسديا ً. أما الانعزال الذاتي اللغوي هو أن الجسد موجود مع الناس لكن لا يوجد تواصل معهم بالكلام ودائما يغلب الصمت ويأنس الشخص بالأحاديث الباطنية أما الآخرون الذين من حوله ليست لديهم أدنى فكره عن ماذا يفكر أو ما هو رأيه. وهذا الانعزال الأغلب موجود في مجتمعنا عند الأطفال، بحيث أن بعض الآباء والأمهات لا يسمحون لأبنائهم وبناتهم بإبداء الرأي أو الحديث، بنظرهم هذا عيب ومخالف للاحترام ! .. وهنا تتكون عزلة ذاتية لغوية عند الأطفال والشباب ، ثم لا يبدون رأيهم وأغلب الأحيان يكونون تابعين وليست لديهم آرائهم الخاصة .. يستخدمون كلمات مثل ( لا أعلم .. كيفكم .. براحتكم .. إلي تشوفونه .. مادري)

 النوع الثاني الانعزال الثقافي:
وهنا لب موضوعنا وأهميته، الانعزال الثقافي هو عزل فكرنا وثقافتنا عن أي فكر أو ثقافة خارجية مفيدة، وكما ذكرنا أنها تنقسم إلى قسمين الأول انعزال ثقافي من جهل وتارة أخرى يكون انعزال ثقافي من عناد. كلى النوعان خطيران وهم محل ابتلاء لدينا. إذ إنه من المهم عدم الانعزال ثقافيا ً لا جهلا ً ولا عنادا ً ولا حتى تقصيرا ً. فكثيرا ً من الناس لا يعلمون حقائق مهمة ومعلومات مفيدة في دينهم ودنياهم بسبب أنهم لا يبحثون بل غارقون في عزلة ثقافية وليست لديهم مصادر علمية غير العب واللهو والصحف والمجلات، ناهيكم عن التلفاز و ما يعرضه من إعلام غير مفيد أو أخبار غير دقيقة.
 الانعزال الثقافي المعاند: ابتلاء موجود بين شريحة كبيرة في العالم العربي، نجده حتى بين أقرب الناس لدينا أب، أخ، جد، أم، زوج أو أخت .. يكونون متزمتين بآرائهم ولا يستقبلون أي معلومة أو تصحيح لمعلوماتهم أو آرائهم .. الثقافة التي اكتسبوها من آبائهم ومجتمعهم المتربين فيه، وهذا النوع من الانعزال الذي وقع فيه المعادين للإسلام، كانوا معاندين ومتزمتين، حتى ثقافة القتل و الاغتصاب والظلم ورثوها من آبائهم ومجتمعهم الجاهلي، ولم يستقبلوا ثقافة الرسول الكريم (ص) بل عزلوا أنفسهم ثقافيا ً عنادا ً، وهنا ينبغي لنا أن لانتصف بهذا النوع نحن كمسلمين مهما كان.أما  الانعزال الثقافي الجاهل: حتى هذا النوع موجود في كثير من شرائح الشباب العربي، حيث معلوماتهم ضحلة وثقافتهم ضيقة بسبب جهلهم بالحقائق والتكاسل عن البحث والتحري والتقصي ، مهدرين طاقاتهم في البحث عن أخبار المشاهير والمغنين واللاعبين، يقضون عشرات الساعات أمام التلفاز يستنسخون ثقافة الأفلام الأجنبية والمسلسلات التركية و المباريات الكروية وغيرها لكنهم في عزلة ثقافية عن الكتب الدينية والثقافية العلمية، حتى الإنترنت أو التلفاز نستطيع أن نجعله يتحكم فينا ذهنيا ونستطيع أن نجعله نافذة للإنفتاح الثقافي والمعرفي. وهذه العزلة مستغلة من قبل أعداء الإسلام هم يريدوننا هكذا معزولون، مخدرون غير واعين ثقافيا ً وعلميا ً.

حثنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على العلم والتثقف في أمور الدين والدنيا، وأختم بنقل مقولة رائعة عن الإمام علي كرم الله وجهه حيث قال: ( لاَ خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ )، هذه ِ المقولة تلخص البحث صراحة حيث هنا يشدد الإمام علي لعدم الدخول في الانعزال الذاتي اللغوي في حالة أنه لديك حكمة أو حكم ممكن أن تدلي به وتفيد الغير لكنك لا تشارك فيه ولا تبديه، ويشدد على عدم الدخول في الانعزال الثقافي الجاهل بحيث انك تتحدث بلا علم ولا ثقافة ويكثر لغطك بلا فائدة.

تـحـياتي للجـمـيع
م. علي البحراني

هناك 3 تعليقات:

  1. سلام من الله عليك وعلى قلمك
    ظاهرة نراحا ونحسها حتى بين أطفالنا وطلابنا - إنعزال عقلي و جسدي وحتى انعزال روحي عن الله ! جميل هي تقسيماتك - تابع قدما يامهندس

    في أمان المولى

    ردحذف
  2. بعض الأحيان يعاني المجتمع كله من انعزال ثقافي .. و من تجليات هذا الإنعزال عندما يغلق المجتمع على نفسه جميع الأبواب و يرفض التعرف على المجتمعات و الثقافات الأخرى, و يتم تبرير ذالك بأن المجتمع له "خصوصية" يجب عدم اختراقها .. و يعتبر بأن جميع المجتمعات الأخرى تريد بهم السوء !

    ردحذف
  3. رائع ماكتبه قلمك وفهمه عقلك

    أعجبني بشده ماكتبته وافادني

    جعلك الله ذحرا لمن أحبوك وعرفوك :)

    ردحذف